الوسائل في تحقيق التكافل الاجتماعي
أولا : مسؤولية المجتمع
مقاصد الحياة وحق الإنسان في الضمان الاجتماعي
ولا توجد شريعة من شرائع الأمم حضت على الإنفاق في وجوه الخير والبر، وحذرت من الشح والبخل مثل شريعة الإسلام، وذلك في الآيات القرآنية الكثيرة، والأحاديث النبوية المتعددة، حتى أن المطلع على هذه النصوص يظن لأول وهلة أن المال المدخر يجب أن ينفق جميعه في سبيل الله، ليحظى المنفق بالأجر الكبير، والثواب الجزيل عند الله عز وجل.
ومنها قوله تعالى: :﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾
النظام الإسلامي فهو إذ يقرر حقوق الفرد الاجتماعية فإنه لا يجعل تقريرها وقفا على إرادة السلطة إن شاءت قررت وإذا شاء منعت، كما لم يجعل وقفها على إرادة الفرد إن شاء أعطى وإن شاء منع، وإنما جعلها التزاما عاما واقعا على المجتمع وأفراده وفق المسؤولية المشتركة التي تجمع بين الفردية والجماعية، فهناك تكافل بين الفرد والجماعة وبين الجماعة والفرد يوجب على كل منهما تبعات ويرتب لكل منهما حقوق، وعلى هذا الأساس كفل الإسلام مستوى أدنى للمعيشة قبل أن يسمح بتفاوتها في المجتمع ، وأما عن الحد الأدنى لمستوى المعيشة في الإسلام فهو يتحدد بمقاييس العصر الذي يعيش فيه المسلمون، ولذا لم يحدد بمقادير وقيم، بل حدد باحتياجات اقتصادية واجتماعية .
الزكاة أوالإنفاق كوسيلة منفذة للضمان الاجتماعي
الإنفاق هو الوسيلة المنفذة للضمان الاجتماعي وهو السبيل المؤدى لتحقيق الضمان الاجتماعي وأحداث التنمية للإنسان، فمن ثم زاوج الإسلام بين التكاليف الشرعي، والضمير البشرى متبعا في ذلك وسيلتين: الإنفاق الوجوبي ويمثله الزكاة، والإنفاق التطوعي وهي الصدقة.
والدولة لا يمكن أن تقوم بواجبها في تحقيق التكافل الاجتماعي ما لم يسهم أفراد المجتمع فيه، وهناك أنواع أخرى بجانب الزكاة الواجبة والإنفاق التطوعي تحت مسؤولية المجتمع في تحقيق التكافل، فيما نقسم إلى قسمين :
أ – قسم يطالب به الأفراد على سبيل الوجوب كفريضة الزكاة فيما مر ذكرها، والنذور، والكفارات، وصدقة الفطر، وإسعاف الجائع، والأضاحي على من قال بوجوبه على المسلم القادر في كل عام.
ب- قسم على سبيل التطوع كاوقف الذري والخيري، والوصية، والضيافة، والعارية، والإيثار، والهبة، ونحو ذلك من الإنفاق التطوعي .
ويمكن تحقيق الضمان الاجتماعي المحقق والمحمول بالزكاة ضمن ثلاثة مطالب، وهي :
1. الضمان الاجتماعي وسواسية الإنفاق
تتبني شواهد الضمان الاجتماعي على مبادئ العدالة الإلهية في الرعاية، والمساواة في الإنفاق، فالمال مال الله، والعطاء من رب العباد، ينصف بالشمولية والسواسية بين بالتمتع بهذا العطاء، والتملك لهذا المال. قال تعالى:﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ ، وقال أيضا:﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ . فالمزكي مضارب بمال الله، أعطاه اياه، فضارب به وأنماه، وباركه له، فعلى هذا المضارب أن يعطي الله، والله غني عن العباد، فعليه أن يعطي المستحق من عباد الله.
2. الضمان الاجتماعي وكفالة الحاجات
الضمان الاجتماعي بإنفاق الزكاة تكفل بإشباع احتياجات النفس البشرية مخلصا، فهو يتلاءم مع مقتضيات الاشباع للحاجات التي تنص عليها قواعد الشرع الكلية في الإنفاق، قال تعالى:﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ سيأتي تفصيلها في مصارف الزكاة.
3. الضمان الاجتماعي وشمولية الأغراض
يتضح سمو الضمان الاجتماعي في كفالته للرعايا الآدمية، في شمولية لجميع أشكال الاحتياج، ويستوعب كل جوانب الحياة –مادية ومعنوية- فهو تكافل معيشي وعلمي وأدبي وعسكري إلى غير ذلك من المجلات ، وتناوله لحميع أغراض الرعاية والعناية قديمة ومستحدثة تقتصر التشريعات المالية الوضعية قديمها وحديثها عن استغراقها ورعايتها .
الزكاة وتحقيق التكافل الاجتماعي
كان مبدأ الزكاة حين طبق في العصور الإسلامية السالفة نجح في محاربة الفقر، وأقام التكافل الاجتماعي، ونزع من القلوب حقد الفقراء على الأغنياء، وقلل كثيرا من الجرائم الخلقية والاجتماعية، وذلك بإزالة أسبابها من الفقر والحاجة، وعود المؤمنين على البذل والسخاء.
ويتعدي سمو الضمان الاجتماعي في اشباع أغراض الحياة المادية في العلائق الاجتماعية والإقتصادية إلى أغراض الحياة الروحية، وقواعد الأخوة في العقيدة، وفي الإنسانية ترسيخا لمبادئ التكافل الاجتماعي وأساسه التألف والأخوة في الإسلام ، قال تعالى: :﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ وكذلك تقدمت بها أحاديث كثيرة لتحقيق هذا المبدأ.
ثانيا : مسؤولية الدولة
جباية الزكاة ونظام الحسبة
الزكاة هي مسؤولية الدولة تحصيلا وتوزيعا، وأن الدولة حين تقوم على جباية 2.5 % من أموال الأغنياء في كل عام، وحين تأخذ من زكاة الزروغ عشر المحصول فيما سقت السماء، ونصف العشر فيما سقي بآلة في موسم الجني والحصاد، وحين تشرف على جمع زكوات الإبل والبقر والغنم بعد حولان الحول، يتأمن لديها مورد ضخم وثروة طائلة يكون لها أكبر الأثر في محاربة الفقر، وقضاء على العوز واستئصال حزور القافة والحرمان. وقد نجحت تجربة جباية الدولة للزكاة في العصور الإسلامية الزاهرة حتى أدى الأمر أنها لا تجد من يأخذها للكفاية والاغتناء .
وفي ماليزيا اليوم، فقد جمعت الحكومة من ولاية سلانجور موارد الزكاة للعام 2007 م :54321643.00 رينجيت ماليزي بالنسبة عدد سكانها حوالى 4.8 مليونات، فهذا من ولاية واحدة في ماليزيا ، فكيف إذا أضفنا اليها من البلاد الأخرى الباقية في ماليزيا، ونقول نستطيع أن نقضي على مسائل الفقر والمسكين إلى حد الأدنى من عدد السكان في الدولة.
وقد صرح الدكتور محمد شوقى الفنجرى، وكيل مجلس الدولة المصري واستاذ الإقتصاد بجامعة الأزهر، على أن اذا اطلعنا على إحصائيات ثروة ودخل العالم العربي خاصة والعالم الإسلامي عامة، لتبين لنا بلايين البلايين من الجنيهات أو الدنانير التي يمكن تحصيلها باسم الزكاة، وبالتالى صرفها لمستحقها سواء في صورة إعانات نقدية مؤقتة أو دائمة أو في صورة خدمات عينية أو مشروعات اقتصادية أو خيرية تسد احتياجاتهم كإقامة ملاجيء للمسنين ومصانع خاصة للمعوقين.
وأضاف إلى ذلك، وقال أنه لا شك لو حصل ذلك، أي التزمنا فعلا بفريضة الزكاة لما وجد في العالم الإسلامي – كما هو حاصل اليوم بكل أسف – جائع واحد أو محتاج واحد أو مضيع واحد، ولقضينا بذلك على الفقر الذي هو في نظر الإسلام يعادل الكفر، وهو السبب الرئيسي لتخلف المسلمين في العالم الإسلامي .
ولذلك فعلى الدولة مسؤولية على حماية الحقوق المستحقين لمصارف الزكاة بنظام الحسبة، وقد جزم الدكتور أبو الشنة عن أهمية الحسبة لحماية الحقوق، وقال أن حماية الحق بالحسبة وهي الأمر بالمعروف إذا ظهر تركه والنهي عن المنكر إذا ظهر فعله، فعلى ولي الأمر أن يؤدبه بالتعزير ليحمل على أداء حق الله، وهكذا في جباية الزكاة.
ويعتبر أول من باشر ولاية الحسبة الرسول صلى الله عليه وسلم، وفد ثبت فيما رواه مسلم عن أبي هُرَيْرَةَ:{ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ مَرَّ على صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فيها فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا فقال ما هذا يا صَاحِبَ الطَّعَامِ قال أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يا رَسُولَ اللَّهِ قال أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ الناس من غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي} ،وكذلك ما فعله الخلفاء الراشدون ومن بعدهم، وصارت ولاية الحسبة من نظاما من نظام الحكم وأصبح ضروريا لولى الأمر أن يقوم به على أمور المسلمين.
فيجب على المحتسب أن يراقب تحصيل إيرادات الدولة ومنها الزكاة، فإذا علم فريقا من الناس يمنعون إخراج نصيب الدولة في أموالهم أو يتهربوا من الدفع بإخفاء أموالهم فإن لولي الحسبة أن يقوم بتحصيل تلك الأموال منهم جبرا، فوظيفة المحتسب هنا أن يراقب تحصيل إيرادات الدولة ويمنع من التحايل لمنعها أو إنقاصها بغير حق، ويمنع التهرب من أدائها أو إخفائها عن جبايتها دون حق .
بيت المال
إذا كانت نظرية الإنفاق العام قد تأصلت في العصور الحديثة، والقواعد الإنفاق العام السليمة لم تتضح إلا هذه العصور ومجلات الإنفاق العام لم تتوسع إلا في العصور الحديثة أيضا، وبالتالى لم تكتشف أثار الإنفاق العام في النواحى الإقتصادية والاجتماعية إلا في هذه العصور، كذلك نجد أن الإسلام قد أولى موضوع الإنفاق من كل نواحيه عناية تامة، ووضعه في مكان مهمة منذ البداية.
وفي الحقيقة أن الأساس في النظام الإسلامي أن يكون للزكاة ميزانية خاصة، وحصيلة قائمة بذاتها، ينفق منها على مصارفها المحدودة، وهي مصارف إنسانية وإسلامية خاصة، ولا تضم إلى ميزانية الدولة العامة الكبيرة، التي تتسع لمشروعات مختلفة، وتصرف في مصارف شتى، فمعنى هذا أن يكون لها ميزانية مستقلة، وينفق على إدارتها منها، فقد جعل المسلمون للزكاة بيت المال قائما بذاته، إذ قسموا بيوت المال إلى أربعة أقسام:
1. بيت المال الخاص بالزكاة – الذي نحن بصدد الكلام عنه.
2. بيت المال الخاص بحصيلة الجزية والخراج
3. بيت المال الخاص باغنائم والركاز
4. بيت المال الخاص بالضوائع
بيت المال الخاص بالزكاة التي تؤخذ من المسلمين زكاة الأنعام، والذهب والفضة وما في حكمهما، والمعادن، وعروض التجارة، والزروع والثمار كما تقدم بيانه في الباب السابق .
توزيع المال على المستحقين
وللدولة بعد أن تشرف على جباية الأموال المذكورة للزكاة وتخصص بيتا تسميه (بيت المال) ، ثم تقوم بواجب التوزيع على من يشملهم نظام التكافل من الأصناف الثمانية وغيرهم من المستحقين في نطاق في هذه الأصناف، وفي نجاح التوزيع لمستحقها لابد ان تقوم الدولة برقابتها بنظام الحسبة لتحقيق الغرض من الضمان الاجتماعي في كفالتهم، و قد ظهر لنا بوضوح على أن الزكاة عبادة مالية، فيجب أن تصرف إلى المسلمين قفط، وأما غيرهم فيمكن أن يستفيدوا من موارد أخري غير الزكاة.
وقد أضاف الدكتور عبد الله ناصح علوان، أما فيما يتعلق في موارد غير الزكاة فعلى الدولة أن تصرفها على من تشاء بشرط أن يكونوا مستحقين، وأما المستوطنون في البلاد الإسلامية من غير المسلمين – إن كانوا مستحقين للتكافل – فعلى الدولة أن تؤمن لهم من نفقاتهم من خزانة الدولة العامة، لأن كفالة الإسلام وعدالته الاجتماعية يجب أن تشمل الجميع دون تفريق بينهم .
No comments:
Post a Comment